
ثقة عالمية في البنوك الكويتية.. ودائع الحكومات الأجنبية قفزت مرة ونصف
أحمد مغربي
كشفت بيانات رسمية، حصلت عليها «الأنباء»، عن ارتفاع استثنائي في حجم ودائع الحكومات الأجنبية لدى البنوك المحلية، في مؤشر واضح على قوة النظام المصرفي الكويتي وموثوقيته المتنامية، حيث تضاعفت هذه الودائع تقريبا بمعدل مرة ونصف خلال عام واحد فقط.
وبحسب أرقام بنك الكويت المركزي، بلغت قيمة ودائع تلك الحكومات نحو 228.3 مليون دينار في فبراير 2025، مقارنة بـ93.3 مليون دينار في فبراير 2024، أي بنمو سنوي لافت تجاوز 144.7%.
هذا الارتفاع الحاد لا يمكن قراءته بمعزل عن حالة الاستقرار النقدي والسياسات الاحترازية الصارمة التي يطبقها القطاع المصرفي الكويتي، ما عزز من جاذبيته كملاذ مالي آمن.
ويلاحظ أن الجزء الأكبر من هذه الودائع نحو 227.4 مليون دينار تم توجيهه نحو ودائع لأجل، ما يعكس رغبة واضحة من قبل هذه الحكومات في استثمار أموالها في أدوات منخفضة المخاطر، لكنها تقدم عوائد ثابتة ومضمونة، أما ودائع تحت الطلب فقد بلغت فقط مليون دينار، وهو ما يعزز فرضية أن هذه الأموال ليست مخصصة للاستخدام الفوري، بل للاحتفاظ بها في بيئة مالية موثوقة ومستقرة.
وتشير هذه التحولات إلى تحول نوعي في النظرة العالمية تجاه النظام المصرفي الكويتي، الذي يبدو أنه بات يعامل بنفس الثقة التي تحظى بها الأسواق المالية المتقدمة، ما يفتح الباب أمام المزيد من التدفقات الأجنبية واستثمارات سيادية طويلة الأجل.
في السياق ذاته، سجلت ودائع الشركات والكيانات الأجنبية (المؤسسات غير المقيمة)، والتي تشمل كلا من المؤسسات المالية وغير المالية الأجنبية، في البنوك الكويتية بنهاية فبراير 2025 نحو 3.73 مليارات دينار، مقارنة مع 3.94 مليارات دينار في فبراير 2024، بتراجع سنوي قدره 205.6 ملايين دينار وبنسبة انخفاض بلغت 5.2%، ورغم هذا التراجع، فإن هذه الودائع حافظت على زخمها النسبي، بما يعكس استمرار جاذبية البيئة المصرفية الكويتية لرؤوس الأموال الخارجية، على الرغم من بعض التباينات في سلوك الإيداع بين مختلف أنواع الكيانات غير المقيمة.
وبحسب بيانات بنك الكويت المركزي، تراجعت ودائع المؤسسات المالية الأجنبية ـ والتي تمثل الحصة الأكبر من إجمالي ودائع الكيانات الأجنبية ـ من 847.7 مليون دينار في فبراير 2024 إلى 818.2 مليون دينار في فبراير 2025، بانخفاض قدره 29.5 مليون دينار، يعادل نسبة تراجع سنوي بحدود 3.5%.
ويعزى هذا الانخفاض إلى تغيرات في السياسات الاستثمارية لدى تلك المؤسسات، وسعيها لإعادة توجيه سيولتها نحو أدوات مالية ذات عوائد أعلى في أسواق أخرى، لاسيما في ظل التقلبات المتواصلة في أسعار الفائدة عالميا، واتجاه عدد من البنوك المركزية الكبرى نحو التشديد النقدي.
في المقابل، شهدت ودائع الكيانات غير المالية الأجنبية نموا قويا، إذ ارتفعت من 5.9 ملايين دينار في فبراير 2024 إلى 16.7 مليون دينار في فبراير 2025، مسجلة زيادة سنوية حادة بنسبة 183%، ويشير هذا النمو اللافت إلى دخول كيانات أجنبية جديدة إلى السوق المحلي أو توسع في أنشطة الشركات الأجنبية العاملة في الكويت، ما يعكس ثقة متزايدة في الاستقرار النقدي وسعر صرف الدينار، فضلا عن تحسن بيئة الأعمال والفرص التشغيلية محليا.
وتعزز هذه التطورات مكانة النظام المصرفي الكويتي كبيئة مصرفية مستقرة وجاذبة للسيولة الأجنبية، خصوصا في ظل دخول كيانات جديدة وارتفاع الثقة التشغيلية والمالية لدى الشركات الأجنبية العاملة محليا.
أما ودائع القطاع الخاص غير المقيم، فقد بلغت في المجمل 2.61 مليار دينار بنهاية فبراير 2025، مقارنة بـ2.99 مليار دينار في فبراير 2024، بتراجع سنوي بلغت نسبته 12.7%، وتوزعت هذه الودائع على شكل ودائع بالدينار الكويتي بقيمة 550.4 مليون دينار، مقابل 538.5 مليون دينار في فبراير 2024 (بنمو طفيف نسبته 2.2%)، وودائع بالعملات الأجنبية بلغت 2.06 مليار دينار، مقابل 2.45 مليار دينار في الفترة نفسها من العام الماضي (بتراجع نسبته 15.9%).
وفي السياق ذاته، سجلت ودائع المؤسسات العامة غير المقيمة ـ والتي تشمل المؤسسات المالية وغير المالية ـ نموا سنويا من 853.6 مليون دينار في فبراير 2024 إلى 893.9 مليون دينار في فبراير 2025، أي بزيادة قدرها 40.3 مليون دينار وبنسبة 4.7%، وتوزعت هذه الودائع على النحو التالي:
٭ ودائع مالية لأجل: 59 مليون دينار.
٭ ودائع غير مالية تحت الطلب: 16.7 مليون دينار.
٭ ودائع غير مالية لأجل: 818.2 مليون دينار.
وبشكل عام، تؤكد المؤشرات استمرار جاذبية القطاع المصرفي الكويتي للكيانات الأجنبية، لا سيما غير المالية منها، رغم التحديات الإقليمية والدولية، ومن شأن هذا الاستقرار النسبي أن يشكل حافزا للبنوك المحلية لتطوير مزيد من الأدوات والمنتجات المصرفية التنافسية، بما يعزز قدرتها على جذب واستبقاء السيولة الأجنبية، إلى جانب أهمية المتابعة الدقيقة لسلوك المؤسسات المالية العالمية في ظل التحولات المستمرة في السياسة النقدية الدولية.