أحمد مغربي
يواصل القطاع المصرفي ترسيخ مكانته كركيزة أساسية للاستقرار الاقتصادي في البلاد، مستفيدا من بيئة تشغيلية قوية، وسياسات تنظيمية صارمة، ودعم حكومي متواصل. ومع دخول عام 2025، تحافظ البنوك على نظرة مستقبلية مستقرة، مدعومة بنمو الاقتصاد غير النفطي وزيادة الطلب على الائتمان، لا سيما في ظل الإنفاق الحكومي المتواصل على المشاريع التنموية الكبرى.
وفي الوقت الذي تشهد فيه البنوك معدلات رأسمالية قوية وجودة أصول مرتفعة، فإنها أيضا تتمتع بسيولة وفيرة واستراتيجية تمويل مستدامة قائمة على ودائع العملاء، ما يحد من المخاطر المرتبطة بالاقتراض الخارجي، ورغم بعض التحديات، مثل التعديلات الضريبية والمخاطر الإقليمية، تظل البنوك في موقع قوي لمواصلة النمو وتعزيز ربحيتها، مستندة إلى إدارة حذرة للمخاطر وثقة راسخة في النظام المصرفي.
وفي السنوات الأخيرة، عززت البنوك من ملاءتها المالية عبر التوافق مع متطلبات اتفاقية «بازل III»، ما أدى إلى الحفاظ على مستويات رأسمالية قوية توفر القدرة على امتصاص الصدمات الاقتصادية المحتملة، كما أن جودة القروض المصرفية في الكويت تظل من بين الأفضل في المنطقة، حيث تستفيد البنوك من سياسات إقراض حذرة واحتياطيات ضخمة تغطي القروض المتعثرة بنسبة عالية، ما يعزز من استقرارها المالي وقدرتها على مواجهة أي تحديات مستقبلية.
ورغم النظرة الإيجابية للقطاع، إلا أن البنوك تواجه بعض التحديات التي قد تؤثر على ربحيتها، من بينها التعديلات الضريبية التي تفرض حداً أدنى للضرائب على البنوك ذات العمليات الدولية، ما قد يؤدي إلى انخفاض طفيف في صافي الدخل، إضافة إلى ذلك، فإن بعض البنوك تمتلك انكشافا على أسواق خارجية مثل تركيا ومصر بحسب تقرير صدر مؤخرا من وكالة «موديز»، ما يجعلها عرضة لمخاطر تقلبات هذه الأسواق، كما أن أي تغيرات في أسعار الفائدة قد تؤثر على هوامش الربح المصرفية، إلا أن هذا الأثر قد يكون متوازنا بين تراجع العوائد وانخفاض تكلفة التمويل.
لكن كيف تتمكن البنوك من الحفاظ على هذه المرونة؟ وما الذي يخبئه المستقبل لهذا القطاع الحيوي في ظل تقلبات أسواق الطاقة وتشديد القواعد الضريبية؟ نستعرضها كالتالي:
1 ـ استقرار القطاع المصرفي ونمو الائتمان
يتمتع القطاع المصرفي بنظرة مستقبلية مستقرة لعام 2025، حيث يتوقع أن يستمر الاقتصاد غير النفطي في النمو بمعدل 3% ـ 3.5%، ما يعزز بيئة الأعمال ويزيد الطلب على التمويل المصرفي، ويتوقع تقرير وكالة «موديز» أن يشهد الائتمان نموا بنسبة 5% ـ 6% خلال العام، مدفوعا بالإنفاق الحكومي على المشاريع التنموية الكبرى، مثل تنفيذ مراحل ميناء مبارك الكبير، والمدن الإسكانية الجديدة مثل المطلاع ومدينة صباح الأحمد السكنية، والمبنى الجديد لمطار الكويت الدولي (T2)، حيث إن هذه المشاريع توفر فرصا واسعة للبنوك من خلال تمويل المقاولات، والاستثمارات العقارية، والتسهيلات الائتمانية للمؤسسات والأفراد.
ويبرز ذلك من تمويلات البنوك لقطاع الأعمال خلال 2024، والتي بلغت نسبتها نحو 60.9% من إجمالي التسهيلات الائتمانية للمقيمين، ارتفاعا قيمته 1.18 مليار دينار وبنسبة 4.1% لتبلغ قيمته 30.1 مليار دينار كما في نهاية ديسمبر 2024 مقابل نحو 28.92 مليار دينار كما في نهاية ديسمبر 2023.
2 ـ قوة رأس المال وجودة القروض
واصلت البنوك المحافظة على قوة مؤشرات السلامة المالية لديها على صعيد معايير كفاية رأس المال والسيولة عبر التالي:
أ ـ مستويات رأسمالية قوية: تلتزم البنوك بالمعايير العالمية (بازل III)، حيث يتوقع أن تبقى معدلات رأس المال الأساسية TCE عند مستوى 13.5% ـ 14% من إجمالي الأصول المرجحة بالمخاطر، ما يمنح البنوك قدرة قوية على امتصاص أي صدمات اقتصادية غير متوقعة.
ب ـ استقرار جودة القروض وانخفاض التعثر: رغم التحديات الاقتصادية الإقليمية، لا تزال نسبة القروض المتعثرة منخفضة عند 1.5% ـ 2%، وهو معدل يعد من الأفضل في المنطقة، كما أن البنوك تمتلك احتياطيات ضخمة لتغطية القروض المتعثرة، حيث تصل إلى 243% من إجمالي القروض المتعثرة، ما يعزز استقرارها المالي.
3 ـ السيولة والتمويل المستدام
لا يزال يتمتع القطاع المصرفي وفرة بالسيولة وعلى النحو الذي تظهره العديد من المؤشرات ومنها معيار تغطية السيولة، ومعيار صافي التمويل المستقر من خلال التالي:
أ ـ توافر سيولة قوية: يتميز القطاع المصرفي بسيولة مرتفعة، حيث تمثل الأصول السائلة نحو 30% من إجمالي الأصول الملموسة، ما يعكس قدرته على تلبية التزامات التمويل بسهولة.
ب ـ الاعتماد على ودائع العملاء كمصدر رئيسي للتمويل: تعتمد البنوك بشكل كبير على ودائع العملاء، والتي تشكل 73% من مصادر التمويل غير المرتبطة بالأسهم، ما يقلل من الحاجة إلى الاقتراض الخارجي ويعزز الاستقرار المالي.
ج ـ استقرار نسبة القروض إلى الودائع: رغم الزيادة في حجم القروض، فإن نسبة القروض إلى الودائع (LTD) تبقى مستقرة عند نحو 90%، ما يضمن توازنا جيدا بين النمو الائتماني وتوافر الودائع.
4 ـ التحديات التي تواجه البنوك في 2025
رغم التوقعات الإيجابية، تواجه البنوك بعض التحديات، أبرزها:
٭ التعديلات الضريبية الجديدة: فرض حد أدنى للضريبة بنسبة 15% على البنوك التي لديها عمليات دولية، ما قد يؤدي إلى انخفاض طفيف في الأرباح، حيث يتوقع أن يتراجع صافي الدخل إلى 1.2% ـ 1.3% من الأصول الملموسة مقارنة بـ 1.5% في 2024.
٭ المخاطر المرتبطة بالأسواق الخارجية: تتأثر بعض البنوك بالظروف الاقتصادية في دول مثل تركيا ومصر، لكن هذه المخاطر تظل محدودة نظرا للسياسات الحصيفة التي تعتمدها البنوك في إدارة الأصول الخارجية.
٭ التغيرات في أسعار الفائدة: قد يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى تراجع العوائد على الأصول المصرفية، لكنه في المقابل قد يقلل من تكلفة التمويل، ما يوازن التأثير على ربحية البنوك.
5 ـ دعم حكومي قوي وثقة مستمرة في النظام المصرفي
يحظى القطاع المصرفي بدعم حكومي قوي، حيث تواصل الحكومة تقديم الدعم للبنوك في حالة الأزمات، بالإضافة إلى وجود ضمان رسمي للودائع، ما يعزز ثقة العملاء في النظام المصرفي، كما أن التصنيفات الائتمانية للبنوك تستفيد من هذا الدعم، حيث تحصل معظم البنوك على رفع تصنيفي بمقدار 4 درجات بسبب الدعم الحكومي، ويعكس التصنيف الائتماني للكويت عند A1 مع نظرة مستقبلية مستقرة متانة الاقتصاد الوطني وقدرة الحكومة على دعم القطاع المصرفي في الأوقات الصعبة.